في الحرب على المستقبل: نقاط اللاعودة التي تجاوزناها بالفعل وتلك التي نحن في طريقنا إليها


التوقع الواقعي، عند الحديث عن نهاية دولة إسرائيل، يعتمد على عدد نقاط اللا عودة التي لم تعبرها الدولة بعد. وعند التفكير مرة أخرى، في طريق الخلاص، فإن نقاط اللا عودة تلك التي عبرتها البلاد بالفعل كافية لفهم أن ما كان هنا لن يعود أبداً. وعلى أية حال، فإن البلاد تعمل بالفعل على مستوى عالم ثانٍ، وقريباً عالم ثالث.


ليس بالضرورة أن دكتاتورية بنيامين نتنياهو في طريقها إلى الزوال، بل أن كل زعيم قبلي سيحكم قطيعه حسب التوزيع القبلي كجزء من خطة الانفصال. وبجانب كل من الدكتاتوريين القبليين سيخدم كهنة دينيون، مكلفين بنقاء المعسكر الإلهي لأغراض الحفاظ على مواردهم الانتخابية. ليس لأنهم يؤيدون الديمقراطية، بل لتجنب حروب الأشقاء من خلال آلية تقسيم علاقات القوة والغنائم. وبجانب قبائل إسرائيل الجديدة سيكون هناك بارونات الشركات الذين لديهم قدم هنا في إسرائيل وقدم هناك في ملاذ آمن. كل هذا سيحدث بعد الحرب. ليس الحالية، بل الداخلية التي ستحصل بسبب ضرورة إعادة المستوطنين إلى حجمهم وقوتهم ومكانتهم الحقيقية. 


وهناك العامل الآخر الذي يتمثل في انهيار الرؤية الاستيطانية، وهو رفض الجيش والجمهور خوض حروب أبدية من أجلهم. وفي هذه الأثناء تسير الدولة الحالية وتتراكم نقاط اللا عودة إلى دولة ديمقراطية ليبرالية. إسرائيل، التي كانت على أية حال دولة شبه ديمقراطية بسبب الاحتلال، ستخسر النصف المستنير لصالح الحكم المظلم لليمين المسيحاني والحريديم والشعبي، وجماهير ممن يرتدون القلنسوة التقليديين. 


ما يحدث بالفعل: قبائل الله لن تسمح بالتقدم نحو تسوية إقليمية أو أي تسوية من شأنها أن تقلل من مكانتهم كآلهة. وإلى جانب هؤلاء سيكون هناك يمين الوسط، الذي يعتمد على طبقة وسطى علمانية ليبرالية (تضم أقلية دينية مستنيرة)، والتي تخوض هذه الأيام معركة يائسة من أجل هويتها، أملاً في عرقلة حملة الوعي العدوانية في نسخة كهنة أسباط إسرائيل. وسيكون هناك يسار بالطبع. سيكون لدينا دائما اليسار الذي يمثل اليوم رأس سهم الاحتجاج وما زال يمنح دولة آيات الله طبقة رقيقة من الشرعية الثقافية. 


كل ما قيل هنا ومن المفترض أن يحدث في المستقبل، ينطبق على التقدير بأن الموت السياسي سيكون بطيئاً خلال حرب الاستنزاف التي تُسكت كل حرية الفكر والتعبير. وعلى أمل ألا يُبنى الهيكل على أنقاض الأقصى ويؤدي إلى حرب يأجوج ومأجوج تؤدي إلى إغلاقه نهائيا. لكن يجب متابعة مثيري الشغب الذين يتسللون إلى الجيش الإسرائيلي والحمى الإلهية لقادتهم. وبينما كنا نحزن على تدمير الهيكل الثاني، تم عبور نقطة اللا عودة الأخرى في الهيكل الثالث، عندما أعلن إيتامار بن غابير، أنه سيبني كنيسا في جبل الهيكل. 


صراع إسرائيلي داخلي: 
أي العودة إلى نقاط اللا عودة التي ستوصلنا إلى الوضع الموصوف أعلاه. وفيما يلي قائمة بنقاط لا رجعة فيها: نزع الشرعية الدولية، العقوبات الاقتصادية والشخصية من الدول الرائدة، المؤسسة الأمنية ورئيس الوزراء في الطريق إلى لاهاي، الاستيلاء على مؤسسات الدولة المؤثرة مثل الشرطة والتعليم والمالية. 


يمكن لأحد المؤثرين أن يتحدث عن قتل 100 ألف فلسطيني (بما في ذلك عشرات الآلاف من الأطفال كأضرار ثانوية) كمقدمة للحرب. 


النقطة الأكثر خطورة في اللا عودة على الإطلاق هي الضرر الذي يلحق بالتماسك الداخلي أثناء القتال، وعبور نقطة اللا عودة الأكثر خطورة على الإطلاق هو التعريف المشكوك فيه لأهداف الحرب. معركة المؤسسة الأمنية ضد نتنياهو وشركائه موجودة في كل مكان: المؤسسة الأمنية تؤيد الديمقراطية، وتؤيد الصفقة، وتؤيد عودة النازحين من المنطقة المحيطة والشمال بموجب شروط التسوية، والترتيبات الأمنية. لكن توجد أمامهم حكومة تضم مشعلي الحرائق مثل بن غابير، الذي انضم إلى كمين نتنياهو على الخريطة و"يطالب" بالبقاء على محور فيلادلفيا. 


جوهر الصراع الإسرائيلي الداخلي، هو أن هناك جنوداً يقتلون ويُقتلون رغماً عنهم وخلافا لوجهة نظرهم. فكما نرى ونختبر اليوم، لا يمكن تجاهل الصدع الذي بدأ يتشكل من أعلى، في النخبة السياسية والعسكرية، وهو في طريقه ليصبح شرخاً سيصل إلى آخر الجنود. 


الحرب متعددة الساحات، تكتسب اليوم زخماً وستترك وراءها أرضاً محروقة، وشظايا بشرية إسرائيلية وفلسطينية ولبنانية وسورية. ومن الآن فصاعدا سنعتمد على رحمة الولايات المتحدة وأوروبا ويهود العالم، وسيعتمد جيراننا الأعداء على رحمة إيران ودول الخليج والشتات الفلسطيني. سيقولون لي: ما الذي تتحدث عنه، لدينا قنبلة. حسنا، هذا بالضبط ما أتحدث عنه، وهو أننا في طريقنا لعبور نقطة اللا عودة في التحول إلى حرب متعددة الساحات بقيادة مجنونة تماما.
ترجمة: غسان محمد

إضافة تعليق

إن اختيارك الضغط على زر إرسال التعليق يعني أنك موافق على الشروط الواردة في سياسة النشر الخاصة بالموقع فيما يتعلق بقواعد التعليق، للاطلاع على هذه الشروط سياسة النشر