آخر الأخبار     عناوين الصحف السورية والعربية الصادرة ليوم السبت 21 أيلول 2024     مؤتمر دولي للتأريخ الشفوي: تعزيز للهوية الثقافية والتعاون العربي في مسقط     حادثة مروعة في حلب: جريمة قتل تودي بحياة غيث الشامي وعائلته     فوائد الكولاجين البحري.. مفتاح جمال البشرة وإشراقتها الدائمة     آيفون 16 يصل إلى الأسواق دون ميزات الذكاء الاصطناعي المنتظرة     هبوط جماعي لأسهم شركات السيارات الأوروبية بعد توقعات مرسيدس المخيبة     مطابع القطاع العام تنجز 16 مليوناً و400 ألف كتاب...     صوت من دمشق...مواطنون يناشدون محافظة دمشق من أجل استخدام المرآب المجاني بحديقة تشرين     ما أسباب الإقبال العالمي على الذهب مع صعوده فوق 2640 دولارا؟     وفاة طفلين بحريق نشب في منزلهما بحي قنينص في اللاذقية     طقس متقلب مع زخات رعدية ودرجات حرارة منخفضة تعصف بالبلاد     توقعات أبراج اليوم السبت 21 أيلول 2024     موجز لأهم وآخر الأخبار ليوم السبت 21 أيلول 2024     من هي فرقة الرضوان التي تم استهدافها اليوم في الضاحية الجنوبية     الضحاك: ندعو المجتمع الدولي إلى مساءلة الاحتلال عن جرائمه

إسرائيل تنزع الإنسانية عن الفلسطينيين لتسويغ سياسة القتل


نزع إنسانية الفلسطينيين لتسويغ الحرب التدميرية وللرد على المهانة التي لحقت بها، أقدمت إسرائيل على تعبئة جيشها وقواتها الاحتياطية، وحَشَد حلفاؤها حاملات طائراتهم وبوارجهم الحربية لمساندتها، وسارع قادتُها، بغية تسويغ الحرب الانتقامية التي عزموا على شنها على قطاع غزة، إلى نزع إنسانية سكان القطاع الفلسطينيين، فأعلن وزير حربها يوآف غالانت، بعد بدء الحرب مباشرة، قطع الماء والغذاء والكهرباء عنهم، زاعماً أن دولته لا تحارب بشراً بل "حيوانات بشرية.


بينما كان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، قد سبقه إلى وصف الفلسطينيين بـ "الحيوانات البشرية"، وذلك عندما شبّه حركة "حماس" بتنظيم "داعش"، وصرّح، في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أن الحرب قد فرضها "عدو خسيس، وحيوانات بشرية"، وأن إسرائيل "ستدحر" حركة "حماس" كما "دحر العالم المتحضر داعش".
وما دامت إسرائيل تحارب "حيوانات بشرية"، يصبح من المبرر أن تلجأ إلى مختلف أصناف الأسلحة التي تمتلكها، بما في ذلك القنبلة النووية، فصرّح وزير التراث "عميحاي إلياهو"، بعد نحو شهر من إعلان "يوآف غالانت" الحصار الشامل على قطاع غزة، بأنه من ضمن الخيارات التي يتوجب على الحكومة الإسرائيلية دراستها خيار إلقاء قنبلة نووية على غزة. وتبعه، بعد نحو أسبوع، وزير الزراعة "آفي ديختر"، الرئيس السابق لجهاز "الشاباك"، الذي أعلن، في معرض رده على سؤال بشأن إجبار أهالي مناطق شمال قطاع غزة على النزوح نحو جنوبه، أن ما يواجهه السكان الفلسطينيون هو "نكبة ثانية"، في إشارة إلى النكبة الأولى التي حلت بالشعب الفلسطيني في سنة 1948.
وفي الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2023، شوهد رئيس دولة إسرائيل "يتسحاق هيرتسوغ" وهو يكتب على إحدى القذائف التي ستُطلق على غزة، خلال وجوده في إحدى القواعد العسكرية، عبارة "نعتمد عليكم"،وذلك في إشارة إلى ثقته بالقدرة التدميرية للجيش الإسرائيلي.
نزع إنسانية الفلسطينيين ليست ظاهرة جديدة
في الواقع، لم تأتِ هذه التصريحات المعلنة لقادة إسرائيل خلال حربها المسعورة على قطاع غزة من فراغ، وهي ليست الأولى في سياق الصراع العربي – الصهيوني؛ فعلى سبيل المثال وصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "رفائيل إيتان" (1926 – 2004)، العرب بـ "الصراصير المخدرة"، وذلك عندما دعا "إلى الرد على كل حجر من حجارة المتظاهرين الفلسطينيين بإقامة عشر مستوطنات، وقال إن الفلسطينيين بعد إقامة هذه المستوطنات ʾسيمشون كالصراصير المخدرةʿ."كما استخدم الزعيم الروحي لحزب "شاس" "عوفاديا يوسف" (1920 – 2013) وصفاً مشابهاً، عندما قال في أحد دروسه الدينية في أيار/مايو 2000 إن "العرب صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعاً"، ووصفهم بأنهم "أسوأ من الأفاعي السامة". وفي آب/أغسطس 2004، قال هذا الحاخام نفسه في خطبة بثتها الفضائيات الإسرائيلية إن "اليهودي عندما يقتل مسلماً فكأنما قتل ثعباناً أو دودة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاً من الثعبان أو الدودة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث".
وفي نظرة مقتضبة على مناهج التعليم الإسرائيلية نرى أنها تشكل بيئة حاضنة لتحقير صورة العربي والفلسطيني في المخيلة الجمعية الإسرائيلية. ففي نتائج استطلاع أجراه أحد المحاضرين في كلية التربية في جامعة حيفا، البروفيسور "ادير كوهين"، بين طلاب صفوف الرابع والخامس والسادس في مدارس حيفا، جاء ما يلي: "في أكثر من 75 بالمئة من الإجابات ترافقت شخصية العربي مع ʾخاطف الأولادʿ وʾالقاتلʿ وʾالمخربʿ وʾالمجرمʿ وأشباه ذلك.... ففي 80 بالمئة من الإجابات تأطرت تشابيه العربي في العبارات التالية: ʾيعيش في الصحراءʿ وʾصانع الخبزʿ وʾيلبس الكوفيةʿ وʾراعي بقرʿ وʾذو سحنة مخيفةʿ وʾفي وجهه ندبةʿ، وʾقذر ونتنʿ وʾتنبعث منه رائحة كريهةʿ وغيرها....ʾالعرب أصحاب شعر أخضرʿ.... ʾالعرب لهم ذيولʿ."
وقد أُنجزت عدة دراسات تتناول أدب الأطفال في إسرائيل.... وكان النمط في كل القصص تقريباً متشابهاً: "العربي العنيف القذر القاسي الجاهل الذي يريد إيذاء اليهود." 
وجرى "تمثيل العربي كرجل شرقي بدائيّ يميل إلى تنمية علاقات خصومة. وهذا الفهم انضفر في الخطابين الخاص والعام في الييشوف قبل إقامة إسرائيل، وبعد قيامها، وتغلغل في نتاج الثقافة والتربية، اللتين نمتا وتطورتا في المجتمع اليهودي." كما أن "التعامل السلبي حيال العربي، من طرف اليهود الإسرائيليين عموماً، يتم اكتسابه في جيل مبكر لدى جميع فئات المجتمع الإسرائيلي. ويصبح هذا التعامل السلبي مركزياً لدى معرفة مصطلح ʾعربيʿ ويتفاقم في جيل الطفولة حتى سن 9- 10 سنوات، حيث يبلغ ذروته." و"تمثل المواقف العامة التي يتبناها الإسرائيليون إزاء الإنسان الفلسطيني، والتي تغلب عليها سمات الشيطنة والتنميط ونزع الشرعية، نتاجاً مباشراً للتعليم الإسرائيلي، بينما تكشف نصوص الكتب المقررة في المدارس الإسرائيلية عما يسمى بـ ʾعنصرية النخبةʿ."
كيف انعكست هذه الظاهرة في الميدان
لقد حوّل الجيش الإسرائيلي ظاهرة نزع إنسانية الفلسطينيين إلى أفعال على الأرض. فبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أسقطت إسرائيل "أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة في إطار حربها الواسعة النطاق والمتواصلة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي بما يعادل قنبلتين نوويتين، ولفت المرصد إلى أن "وزن القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة الأميركية على "هيروشيما" و"ناجازاكي" في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية في آب/أغسطس 1945 قُدِّر بنحو 15 ألف طن من المتفجرات. ويعني ذلك أن القوة التدميرية للمتفجرات التي ألقيت على غزة تزيد على ما ألقي على هيروشيما.
ومن جهة أُخرى، أقدم جيش الاحتلال على أسر مئات المواطنين من قطاع غزة، وقام بتجريدهم من ثيابهم، وجمعهم في "محتشدات"، بهدف الحط من كرامتهم وإذلالهم وزرع شعور الانحطاط في نفوسهم، ناهيك عن الأسرى الذين اقتادهم إلى جهات غير معلومة. وقد أفادت تقارير بتعرض نساء لاعتداءات، وتمت تعريتهن واغتصابهن، كما جرى وضع نساء في أقفاص في العراء في البرد وتحت المطر، وقد أبدت خبيرات أمميات قلقهن جراء تلك الانتهاكات بحق النساء.
وكان مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر قد صادق، في 9 تشرين الأول/أكتوبر2023 ، على أن إسرائيل في حالة حرب تتلخص أهدافها في تدمير القدرات العسكرية والسلطوية لحركتي "حماس" والجهاد الإسلامي بطريقة "تلغي قدراتهما ورغبتهما في تهديد وإيذاء سكان إسرائيل." وقد استندت هذه الأهداف الكبيرة التي وضعتها إسرائيل إلى قوة الدعم الغربي أولاً، وإلى حالة الإجماع غير المسبوق عليها داخل إسرائيل ثانياً، إذ عملت جميع المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية، على اختلاف توجهاتها، على صهر وعي المجتمع في بوتقة واحدة تحت شعار أن ما جرى في قطاع غزة تهديد وجودي غير مسبوق لإسرائيل، بل هو تهديد وجودي للشعب اليهودي بصورة عامة. ولتعزيز التوجه الرامي إلى تحشيد المجتمع خلف الجيش، صرح وزير الحرب "يوآف غالانت"، في أكثر من مناسبة، قائلاً: "إذا لم نحقق انتصاراً في حرب غزة فلن نتمكن من العيش في الشرق الأوسط."
وعلى أساس هذا الإجماع داخل المجتمع الإسرائيلي، فضلاً عن الدعم السياسي والاستراتيجي من جانب القوى الدولية الكبرى، جرى ارتكاب مخالفات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وللتقاليد والأعراف المتعارف عليها خلال الحروب والنزاعات؛ من تدمير القطاع الصحي، إلى استهداف العاملين في الصحافة والإعلام (بلغ عدد الصحافيين الذين استشهدوا منذ بداية الحرب 135 صحافياً وصحافية، إلى تدمير قطاع التعليم، والمحاكم، ومقر البرلمان، وقتل آلاف المدنيين، جلهم من الأطفال والنساء.
لقد خاضت إسرائيل حربها هذه وهي تعرف مسبقاً أن سنة 2023 لا تشبه سنة 1948 من ناحية الحضور الواسع للإعلام، ليس الإعلام التقليدي فحسب، بل أيضاً الإعلام الإلكتروني المرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ما جرى في غزة، على الرغم من المحاولات المتكررة لقطع الإنترنت عن القطاع خلال الحرب. فعلى عكس ما جرى في سنة 1948، لم يعد ممكناً اليوم ارتكاب المجازر والجرائم بسرية تامة من دون أن يعرف أحد بها؛ ففي حرب 1948 ارتُكبت مجازر كثيرة من دون أن تظهر إلى العلن إلاّ بعد عشرات السنين، أو بعد فتح الأرشيفات، بينما في حرب أكتوبر 2023، فإن المجازر والانتهاكات تصورها الكاميرات وتُبث مباشرة على شاشات التلفزة من دون شعور بالخوف أو القلق، ومن دون خشية من المحاسبة.
لقد اعتبرت الحرب المتواصلة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكثر من 160 يوماً، من أطول الحروب الإسرائيلية وأكثرها دموية وشراسة، إذ تجاوز عدد ضحاياها الـ 33 ألف شهيد و76 ألف جريح، ناهيك عن المفقودين تحت الردم والركام، وأدت إلى تدمير البنية التحتية لأكثر الأماكن اكتظاظاً في العالم (365 كيلومتراً مربعاً يسكنها نحو مليونين وربع المليون نسمة). وفي 19/12/2023 صرح الصحافي الإسرائيلي "تسفيكا يحزقيلي"، مراسل "القناة 13" الإسرائيلية، بأن "الجيش كان ينبغي له قتل 100 ألف فلسطيني في قطاع غزة بالضربة الأولى من الحرب"، في إشارة إلى أن عدد الضحايا الفلسطينيين ليس كافياً لإخضاعهم. بينما كتب غيورا آيلاند، وهو رئيس سابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي (2004 – 2006)، وباحث مخضرم في معهد دراسات الأمن القومي، في مقال له في "موقع N 12"، ما يلي: "عندما يصرحون في إسرائيل ʾنحن في حالة حربʿ - هذه ببساطة جملة ناقصة. يجب القول بشكل واضح إن غزة تحولت إلى دولة منذ 15عاماً. دولة غزة بادرت إلى شن حرب على إسرائيل الآن، على دولة إسرائيل العمل بكل قوتها، وفي المقابل، الحفاظ على الجبهات الأُخرى، والقيام بأمور لم نقم بها سابقاً." ويستطرد قائلاً: "عندما تكون في حالة حرب مع دولة أُخرى، أنت لا تمدها بالطعام، ولا تزودها بالكهرباء، أو الماء، أو أي شيء آخر؛ أنت تحاصرها بصورة تامة، وضد دولة، يمكن أن تقصف بشكل أوسع بكثير، وذلك كي تجعلها غير فعالة. هذه هي النتيجة الضرورية للأحداث. هذا ما حدث لليابانيين بعد هجوم "بيرل هاربر" وللألمان، ولغيرهم. لن يكون هذا سهلاً، وتوجد في يد ʾحماسʿ أوراق كثيرة. المطلوب تصميم قومي واستعداد للقيام بأمور بحجم لم نشهده سابقاً.

إضافة تعليق

إن اختيارك الضغط على زر إرسال التعليق يعني أنك موافق على الشروط الواردة في سياسة النشر الخاصة بالموقع فيما يتعلق بقواعد التعليق، للاطلاع على هذه الشروط سياسة النشر